بحلول شهر رمضان المبارك يطل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة على المشاهدين والمستمعين والمتابعين لمنصات التواصل الاجتماعي ببرنامجه التوعوي "نزاهة"، والذي استمر على مدى أربعة مواسم متتالية، حيث يحمل البرنامج في حلقاته العديد من الرسائل التوعوية التي تهدف إلى تعزيز النزاهة في المجتمع، وإن اختيار مسمى البرنامج (نزاهة) ما هو إلا تجسيد لإيمان الجهاز بأهمية غرس وتعزيز قيم النزاهة بين أفراد المجتمع تجاه المال العام والوظيفة العمومية. فالنزاهة في أصلها اللغوي تعني البعد عن السوء وترك الشبهات وترفع النفس وتباعدها عن كل قبح ومعصية، وبذلك تُعد النزاهة ظاهرة إنسانية تحكمها قيم الإنسان أفراداً ومجتمعات، وتحكم على صاحبها من خلال الفعل الحسي والمعنوي، وهي ظاهرة توصل إلى الإصلاح والصلاح كونها ذات بعد قيمي ومحرك داخلي، وبعد سلوكي ظاهري، مرتبط بجوانب متعددة من جوانب الحياة ومجالاتها الفردية، والاجتماعية، والوطنية، والتنظيمية، يمكن أن تتحقق بالتكامل والتوازن الأخلاقي. ومن ذلك ركزت حلقات البرنامج على بث قيم النزاهة العامة، وبشكل خاص في بيئة العمل، إذ تعتبر القيم هي الموجه الأول لسلوك الفرد، الأمر الذي يدفع النفس إلى الفضيلة، والعيش المشترك مع الآخرين في بيئةٍ تقوم على النزاهة في السلوك الفردي والاجتماعي.
وحول محاور البرنامج ومحتوياته صرح الدكتور حمير بن ناصر المحروقي مدير دائرة التوعية وتعزيز النزاهة بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة في وقتٍ سابق بأن البرنامج يتناول في حلقاته أربع مجالات رئيسة، وأولها مجال المال العام وبيان حرمة التعدي عليه، ومن الموضوعات المتصلة بهذا المجال "حرمة المال العام" و"الرشوة" و"الكسب الحلال"، ويتناول المجال الثاني الموضوعات ذات الصلة بالواجبات تجاه الوظيفة العامة، ومن الأمثلة عليها "إساءة استخدام السلطة" و"الأمانة في تقييم الأداء" و"حقوق الموظف وواجباته" و"العدالة الوظيفية"، كما يتناول المجال الثالث القيم العامة للنزاهة، ومن الأمثلة على الموضوعات ذات الصلة بهذا المجال "المسؤولية أمانة" و"الرقابة الذاتية"، وأخيراً مجال كفاءة استخدام الموارد، ومن الأمثلة على موضوعاتها "بناء وتمكين الكفاءات الوظيفية" و"التعاون" و"كفاءة استخدام الموارد المالية". مشيراً إلى أن اختيار المحاور والموضوعات تم من خلال حصر كافة المجالات التي تندرج تحت كل محور من المحاور الأربعة، ومن ثم ترتيبها وفق الأهمية، وبعدها تم اقتراح العناصر الفرعية ذات الصلة بكل موضوع، والتي تُمثل في مجملها الرسائل التوعوية التي يرغب الجهاز في إيصالها للمجتمع.
ويكتمل نجاح أي برنامج بمعرفة أصداءه وتأثيره على المتلقي، كون استطلاع الرأي أصبح وسيلة تعطي مؤشرات على الانطباعات تجاه الأنشطة المختلفة، وحول رأي بعض المتابعين لبرنامج نزاهة في نسخته الرابعة يقول سعادة محمد بن خميس بن نبهان الحسيني عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سمائل: برنامج نزاهة من البرامج الهادفة التي استطاعت أن تصل إلى غايتها التي أطلقت لأجلها وهي ترسيخ مفهوم النزاهة لدى متابعيه وغرس الرقابة الذاتية لديهم بحيث يستشعر الإنسان مدى الأمانة التي أنيط به حملها وعظم قدرها وأهمية أن يكون محافظا على المال العام، وأن يؤدي ما أوكل إليه من أعمال بكل أمانة ودقة فيعطي كل ذي حق حقه مستحضرا مراقبة الله تعالى له وليس فقط ترقباً للتبعات والمساءلة القانونية، وقد كان لاختيار الضيوف جانب كبير من النجاح، وذلك عبر إيصال الفكرة بكل سلاسة إلى المتلقي، كما أن البرنامج صحح كثيرا من المفاهيم ونبه المواطن إلى نقاط مهمة في التعامل مع المال العام والتي قد يهملها البعض أو كان يستهين بها ويرى أنها أمور قد لا تكون مرتبطة بالنزاهة والأمانة التي ينبغي أن يلتزم بها، وأخيراً نأمل أن يستمر البرنامج في ترسيخ هذه المبادئ المهمة مع التنويع في أساليب التقديم، والاستمرار في نهج جهاز الرقابة في بث الوعي المجتمعي والمؤسسي تجاه المال العام.
من جانبها تقول محفوظة بنت حمود السيابية مدربة تنمية بشرية: "نزاهة" من البرامج التي تزرع طيباً لتحصد طيباً، فعند متابعته ستدرك أهمية ترسيخ وغرس قيم النزاهة والرقابة الذاتية في الأفراد والمجتمع تجاه المال العام، وعندما ترى أنه قد وصل إلى موسمه الرابع هنا تدرك مدى حرص القائمين عليه بأهمية "النزاهة" قيماً وسلوكاً، فمتابعته ومتابعة ضيوفه يوقظ الضمير تجاه المال العام ويبين خطورة غياب هذه الصفة وينبه بالترفع عن أضداد النزاهة كالرشوة والسرقة والتزوير وإساءة استخدام المال العام بكل الطرق الغير مشروعة والاحساس بالمسؤولية لكونه حقٌ للجميع وليس لأحد التصرف فيه بحسب رغباته الخاصة، وبهذا المفهوم لابد من نشر ثقافة النزاهة بين أفراد المجتمع لينشأ جيلاً نزيهاً يمنع الفساد ويعفّ عن المال العام ويعتمد على طهارة اليد ورفعة النفس والحفاظ على ممتلكات الدولة التي هي ملك للجميع.
وتضيف السيابية: لا يكفي سن القوانين والعقوبات، فلابد من تفعيل دور المدارس والجامعات والكليات في نشر الوعي المجتمعي بأهمية منع الفساد وترسيخ مبدأ النزاهة والشفافية، انطلاقاً من البيئة التربوية والعلمية، ومن أجل تطور المجتمع وتحسين دخل الفرد لابد من تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، ومع برنامج نزاهة سوف تتحقق الأهداف وتترسخ قيّم الإسلام وقد رسخ هذه القيّم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) ومن منطلق هذا الحديث انبعثت أهداف البرنامج المتميز فكان له الأثر الطيب على استقرار النفس فإذا استقرت النفس واطمأنت سمت معها الحياة.
أما يوسف بن سعيد بن ناصر الحضرمي موظف بدائرة العلاقات العامة وخدمات المرضى بالمستشفى السلطاني فيقول: لا ريب أن أشكال الفساد المتعددة كالواسطة والرشوة والاحتيال والاختلاس تُعد خيانةً للوظيفة وتضييعًا للأمانة، ولوناً من ألوان الظلم الاجتماعي الذي حرمه الله عز وجل، وأجد أن محاور البرنامج لامست العديد من الجوانب المهمة في بيئة العمل من خلال ما يبينه للموظفين من معاني الكلمات وما يقعون فيه من المشتبهات، فربما يظن بعض الموظفين عند تخليص معاملة ما للمراجع أن الهدية مباحُ شأنها تحت فهمٍ مغلوط لــ( تهادوا تحابوا) فهذا يقع في الرشوة ربما دون قصد، وضيوف الحلقات أوضحوا العديد من المفاهيم والمصطلحات التي قد يجهل البعض معانيها الحقيقية.
في حين تقول فاطمة بنت علي المقبالية رئيسة قسم العلاقات العامة والإعلام التربوي بتعليمية البريمي: نزاهة 4 برنامج جميل ومفيد يستهدف المبادئ التي يجب أن يتحلى بها الموظف تجاه الوظيفة والأموال العامة، وأن يستشعر المواطن الصفات والقيم الإسلامية التي ترضي الله ورسوله قبل أن ترضي المسؤول عليه خلال يوم عمله، وألاحظ أن البرنامج سعى لتعزيز القيم التي يجب أن يتحلى بها الموظف الأمين وتجنب الوقوع في الحرام وأكل المال العام الذي حرمته كحرمة المال الخاص.
وتضيف المقبالية: إن المكانة العلمية للشخصيات التي قدمت حلقات البرنامج ساهمت بشكلً جيد في غرس القيم الإسلامية وتقديم المعلومة بسلاسة وبساطة في روح الموظف بشكل خاص والمواطن بشكل عام، وتهذيب النفس والاستذكار الدائم بالإثم الذي يلحق بالموظف إذا ما قصر في أداء عمله أو خان الأمانة مستشهدين بذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية وممارسات السلف الصالح. أما أيمن بن حمود بن يعقوب الراشدي طالب إعلام بجامعة السلطان قابوس فيقول: أبرز ما تميز به البرنامج هو تناوله لجملة من المخالفات السلبية تجاه المال العام، واستعراضها من مستوياتها الدينية وتقديم الحلول التي تؤدي لتقوية الوازع الديني لدى الموظف، فضعف الوازع الديني يؤدي بالموظف إلى عدم تقدير الأمانة المكلف بها، وعدم الاكتراث بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وضعف الرقابة الذاتية قد تسهم في الوقوع في هذه المخالفات، ومن هنا لا بد من تقوية الوازع الديني، وإيجاد البيئة الصالحة جنباً إلى جنب مع الجهود الرقابية المختلفة، الأمر الذي يجعل الموظف أكثر جدية وأكثر عطاءً وأكثر حرصًا على أداء عمله على أكمل وجه وفق القوانين والإجراءات المحددة من غير محاباة أو إجحاف لأحد، مما يولد في النفس الشعور بالأمانة، وتقدير الوظيفة، والإحساس بالمسؤولية، وإدراك الواجب. كما أن الشعور بالرقابة والمحاسبة من قبل المسؤول يدفع الموظف إلى إتقان العمل، والالتزام بالقوانين والإجراءات.
وفي الختام، فإن الرقابة الذاتية للموظف، إلى جانب دور المجتمع في غرس وتعزيز قيم ومبادئ النزاهة تجاه المال العام يمكن أن تسهم في تحقيق مستوى عال من الكفاءة في إدارة الموارد وتحقيق الأهداف الموكلة إلى المؤسسات المختلفة، الأمر الذي ينعكس على رضا المجتمع عن المؤسسات، والنزاهة مطلب أصيل في الدين الإسلامي الحنيف وفي القيم الوطنية والإنسانية.